-->

الفعل التربوي المتخصص والميولات العدوانية

التربية الخاصة

يعد العدوان ظاهرة سلوكية واسعة الانتشار في كل العالم، وقد شاع استعماله بين الأفراد والجماعات والدول على حد سواء، بطرق ومستويات مختلفة. ويمكن ملاحظة السلوك العدواني في صفوف الأطفال والشباب وكل الفئات العمرية  دون استثناء. على اعتبار أن العدوان وما يشابهه من سلوكيات عنيفة غير سوية مثل العدوانية والغضب من بين الطرق التي يلجأ إليها الأشخاص لصد تهديد معين أو تحقيق رغبات وحاجات بالقوة والغصب. 

والسلوك العدواني يعرف في عبارات اندفاعية تتجاوز الحد مثل الغضب والكراهية، ويمكن أن ينتقل إلى أفعال وتصرفات بمثابة استجابة لهذه الدوافع مثل القتل والأذى الجسدي.

لقد عرف BUSS العدوان على أنه سلوك يصدره الفرد لفضياً أو بدنياً أو مادياً صريحاً أو ضمنياً مباشراً أو غير مباشر، ناشطاً أو سلبياً، ويترتب على هذا السلوك إلحاق أذى بدني أو مادي أو نقص للشخص نفسه صاحب السلوك أو للأخرين . وبالتالي يكون من العدوان توقيع للعقاب والعنف على الذات أو الأخر.

إن البحث في حقيقة العدوان يفتحنا على صنفين أساسين تتفرع عليهما أقسام تفصيلية؛ الأول عدوان سلبي مستنكر، والثاني يمكن أن نشجعه كي نبقى على قيد الحياة، لكن يكون من الصعب الفصل ووضع حدود مميزة بين الصورتين من العدوان. ويمكن أن نميز ضمن هذين الصنفين بين:

أ‌. عدوان جسمي مثل: الضرب  والدفع والبصق على شخص أو الاغتصاب، والعدوان الجسمي قد يتم عند الاستفزاز أو بدونه.

ب‌. عدوان لفظي أو رمزي: مثل التهديد اللفظي والمطالب الملحة والوعيد والايماءات والحط من قيمة الأخرين.

ت‌. عدوان على شكل جيشان عاطفي: مثل نوبات الغضب. 

ث‌. عدوان غير مباشر: أي الهجوم أو الإداء عن طريق شخص آخر أو شيء آخر.

ج‌. وهناك التوحد بالمعتدى: بحيث تشير آنا فرويد إلى أن التوحد بالمعتدي وسيلة دفاعية للتغلب على العداء الموجه من الآخرين .

يبقى من المهم أن نميز بين العدوان والعنف لنفهم حقيقة كل واحد منهما نظراً لشدة الترابط والتداخل الحاصل بينهما، والذي يجعل الكثيرين يخلطون بين دلالة كل مفهوم أو يستخدمانهم بنفس المعنى. فقد بينت مجموعة من الدراسات النفسية والتربوية أن السلوك العدواني أعم من العنف، أي أن السلوك العدواني يشمل بداخله مجموعة من السلوكيات العنيفة، وبهذا يكون كل سلوك عنيف عدوان وليس كل عدوان عنف.

اذا بحثنا في سيرورة نمو العدوانية فإننا نجدوها متجذرة في الشخصية البشرية، بشكل طبيعي، فبالرجوع إلى أعمال الطبيب النفسي سيغموند فرويد نجد أن في تحديده لأقسام الجهاز النفسي حدد الهو المكون بالأساس من الميولات الغريزية التي تنتج عن التنظيم الجسدي، والذي تحكمه الغرائز الجنسية التي تشكل محركا أساسيا لكثير من الأفعال النفسية البشرية كالعدوان والعنف أو غيرهما.

وقد يلاحظ هذا النوع من التصرف في مرحلة الطفولة المبكرة والذي يتطور ليأخذ أشكالا متعددة، وإن هناك خلاف في الرأي حول أسباب ذلك، سواء كانت دوافع أولية أم قوى داخلية تحتاج إلى شرط خارجي لحدوثه يتمثل في الإحباط . وعليه تظهر ملامح العدوانية في الطفولة المبكرة عن طريق المعارضة التي يبديها الطفل أمام الراشد، هذا ما يسمح له باكتساب شخصيته وفرديته، فالطفل المعارض يدل على الصحة النفسية أكثر مما يوحي بالجنوح مستقبلا .

إن النزعات العدوانية في المراحل المبكرة من العمر آلية، يظهر من خلالها الطفل أكثر عدوانية وأكثر ميلا للشجار والصراع منه الى العب، كما أن الوسائل التعبيرية للغضب بدائية تتمثل في البكاء والصراخ لأنه لا يستطيع أن يستخدم وسائل مقنعة أو أساليب عقلية مجردة، وعندما يكتشف أنه بإمكانه جعل الآخرين يسايرون رغباته فإنه يستخدم مزيدا من التصرفات العدوانية كالشتم، التنابز بالألقاب، السخرية، الثرثرة..

أما في مرحلة الطفولة المتأخرة تتحسن لدى الطفل مهارات اللغة والاتصال الاجتماعي فيصبح أكثر اعتماداً على العدوان اللفظي أكثر من العدوان الجسدي مع بقاء المشاعر العدائية كامنة في أعماقه . 

مظاهر العدوان:

يظهر العنف بأشكال ومظاهر ودرجات مختلفة عندما تتوفر الظروف المناسبة لظهوره، وأكثر اشكاله ظهورا هي بين الاطفال و المراهقين من قبيل السرقة والعدوان الجسدي أو العدوان اللفظي والنشاطات المرتبطة بالجنس و تدمير الممتلكات، ما يمكننا من القول أن العدوان يظهر على الاشكال التالية:

العنف الجسدي: 

ويتمظهر في الاعتداءات بالجسم على الاخرين باستخدام اداة أو بدونها و من امثلة ذلك الضرب والدفع واللكم و العض وغيره من الاعتداءات الجسدية العنيفة التي من شأنها الحاق الاذى بالغير.

العنف المعنوي: 

ويمارس فيه المعتدي سلوكا يرمي الى تحقير الغير واستفزازهم والسخرية منهم والتنمر عليهم ما يؤدي لإلحاق اضرار نفسية معنوية لديهم .

العنف اللفظي: 

وهو الذي يقف عند حد الكلام كالسب والشتم والتهديد والتشهير واطلاق الصفات والالقاب غير الائقة على الاخر بهدف الانقاص من قيمته واهانته.

العنف التعبيري:

اذ يستعمل بعض الاطفال الاشارات مثل اخراج اللسان والايماءات وربما البصاق أو بعض الحركات المستفزة للأخر.

العنف المادي: 

ويتمثل في التكسير والتدمير والحرق والاتلاف والخدش لممتلكات الغير والاستحواذ عليها.

عدوان المنافسة:

غالبا ما تكون تمظهرات هذا السلوك العدواني عابرة في سلوك الاطفال نتيجة النتافسة اثناء اللعب والغيرة والتحدي اثناء الدراسة أو بعض المواقف الاجتماعية وعادة ما تنتهي نوبة العدوان هذه بالتنافر والتباعد بين الطفلين والخصام، وسرعان ما ينسى الموضوع أو يتم الاعتذار عنه و تعود المياه لمجاريها.

العدوان نحو الذات: 

ان العدوانية عند بعض الاطفال المضطربين سلوكيا قد توجه نحو الذات و تهدف الى ايذاء النفس وايقاع الضرر بها، وتتخذ صور ايذاء النفس اشكالا مختلفة مثل تمزيق الطفل لملابسه أو كتبه لطم الوجه أو شد الشعر أو ضرب الراس بالحائط أو السرير أو جرح الجسم بالاظافر أو عض الاظافر أو حرق اجزاء من الجسم أو كيهل بالنار أو السجائر.

العدوان العشوائي:

قد يكون  السلوك العدواني موجها نحو اهداف معينة واضحة و تكون له دوافعه واسبابه البيئية ويخدم غرضا أو يؤدي الى نجاحات مادية أو معنوية، أو قد يكون السلوك العدواني اهوج وطائشا ذا دوافع غامضة غير مفهومة واهدافه مشوشة غير واضحة، وتصدر عن الطفل نتيجة عدم شعوره بالخجل والاحساس بالذنب الذي ينطوي على اغراض سيكوباتية في شخصية الطفل، مقل الطفل الذي يقف امام المنزل أو القسم ويضرب كل الاطفال المارين من أمامه بلا سبب وربما يجري خلف الطفل الذي اعتدى عليه بمسافة قليلة ليبث الرعب فيه مرة اخرى...

ومن مظاهر العنف والعدوان نجد الكثير متجليا بين صفوف التلاميذ على سبيل المثال لا الحصر، فهذه المشاكل والسلوكيات العدوانية التي تسود ارجاء المؤسسات التعليمية والتربوية نجد بينها العراك والضرب والمشاجرات والسب والشتم بين التلاميذ وزملائهم وتحطيم ممتلكات المؤسسة الحاضنة، والتعدي على الطاقم التربوي من اساتذة ومساعدين تربوين واداريين بالشتم والضرب، اضافة الى وضع التلميذ في مواقف قد تؤدي الى ايذائه..

واستفحال ظاهرة العدوان لدى الاطفال في هذه المؤسسات التربوية يتفاقم يوما بعد يوم، فبعد أن كانت هذه التالية مكانا للتربية والتوجيه وطلب العلم مسهمة بدرجة أولى في غرس القيم و المبادئ الحميدة في نفوس وشخصية مرتاديها، باعتبارها ثاني مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية بعد الاسرة، أضحت الان مسرحا يعرض ابشع المظاهر والصور لأطفال خلعوا رداء البراءة والصفاء وارتدوا ثوب فظاظة الخلق و بذاءة اللسان وراحوا يتفننون في اطلاق اقبح الألفاظ من سب وشتم والتي تخدش الحياء و تنافي الأخلاق، يتعاركون بالأيدي و قد يصل الامر بهم الى الاعتداء بالحجارة أو الاسلحة البيضاء، الاعتداء على الطاقم التربوي أو التكسير و التخريب لتجهيزات المدرسة. هي سلوكات وتجسد بكل معنى و صدق مظاهر العدوان لدى الأطفال في المدارس أو الاعداديات أو الثانويات.

يتفشى العدوان ومظاهره في جميع مدارس العالم سواء المتحضر أو النامي، والأدلة عن هذا تتكرر يوميا وتطرق اسماعنا بما تطالعنا به الصحف اليومية والاخبارية من أحداث عنيفة أبطالها قاصرين، الا ان هذه السلوكات لا تعدو كونها مرآة عاكسة لواقع اجتماعي تربوي مرير ذو خلفيات لأفعال تربوية متخصصة غير سليمة، والوتيرة التصاعدية لمظاهر التصرفات العدوانية جعل تناولها بالبحث والتحليل والدراسة مطلبا ضروريا واجبا لكل غيور على التربية، من اجل الحد ومواجهة هذا التصرف الذي يشكل هدرا للقوى البشرية والقيم الانسانية ويضرب في جميع تمثلات الحرية وحقوق الانسان.

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم