-->

الأطفال في وضعية صعبة في علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية

تعد ظاهرة الأطفال في وضعية صعبة ظاهرة مجتمعية عالمية تزداد صعوبة وتعقيد مع التغيرات والدينامية المستمرة والمتسارعة التي تعرفها المجتمعات، وهو الأمر الذي يجعل استراتيجيات التدخل للتخفيف من صعوبة الأوضاع المعيشية التي يعيش فيها الأطفال ضحايا هذه الوضعيات المتعددة الأوجه والتجليات، أو حتى الحد من استمرارية تدفق الأطفال نحو هذه السياقات غير المستقرة، صعباً وذا مردودية ونتائج محدودة لا تصل إلى سقف الأهداف والتطلعات المسطرة (التخفيف أو الحد). وهو الأمر الذي تؤكده الإحصائيات والمعطيات التي توصلت إليها الأبحاث في علم الاجتماع، والتي تشير إلى الارتفاع المهول لأعداد الأطفال الذين يعانون من هذه المشاكل.

اعتباراً من كون أطفال الشوارع نوع من الأنواع الذين يتم تصنيفهم ضمن الوضعيات الصعبة، فقد حدد Bayden,1990) )، تعريفاً لهؤلاء باعتبارهم "هم الاطفال المهضوم حقوقهم والمظلومون واللذين يقيمون في الشوارع ويعملون فيها." . وقد وصفت الظاهرة من الناحية الاجتماعية بأنها "تبرز كظاهرة خطيرة جدا، تُلوث المشهد الحضاري، وتقلب كل موازين الإنسانية رأساً على عقب، وهذا المشهد البائس يتمثل في رؤية الأطفال المتشردين الذين يجوبون الشوارع دون أي معين أو كفيل، ويفتقدون لأجواء الأسرة والاهتمام والرعاية." . هذه الصفات التي يتم ربطها بالظاهرة عملت منظمة اليونيسف على التفصيل فيها بشكل أكثر دقة، حيث ميزت في أطفال الشوارع بين نوعين هما:

1. الأطفال الذين يعيشون في الشارع، Children living on the streetأي الذين يتصف وجودهم في الشارع بالاستمرارية.
2. الأطفال الذين يعيشون على الشارع، Children living off the streetالذين يمارسون مهناً هامشية في الشارع، ولكنهم في الوقت نفسه على اتصال بأسرهم ويقضون جزءاً من اليوم في سكن يجمعهم مع الأسرة.

ولعل من بين العوامل الاجتماعية التي يعزى إليها انتشار الظاهرة، من منظور الباحثين الاجتماعين، نجد التفكك الأسري أو غياب أحد الوالدين أو كلاهما، والذي يكون من نتائجه المباشرة ضياع حقوق الأطفال من دفء الأسرة كحاضنة أخلاقية وتربوية واقتصادية.

تفكك الاسرة هو العامل الهام والاساسي في هروب الاطفال من بيوتهم واللجوء الى الشوارع، حيث يجدون الشارع احن عليهم من ذويهم خاصة مع انتشار حالات الطلاق والعنف وهجرة الابناء، لذلك يصبح الطفل بدون رقيب، مما يسهل هروبهم الى الشارع. فغياب احد الوالدين يزعزع استقرار الاسرة بشكل ملحوظ نتيجة موت احدهما أو الهجرة أو السجن وهو الامر الذي يحدث تغيرا في الاسرة، وبالتالي تنعكس سلبيا على وضع الاولاد، أو نجد اِقدام أحد الوالدين على ترك المنزل مما له الاثر البالغ في نفسية الابناء في مرحلة الطفولة وهناك من يرى أن غياب الأب أقل وطأة من غياب الأم والعكس صحيح. ولهذا يترك بصمة على تكوين شخصية الطفل في الوسط الأسري.

يستفاد مما سبق، أن الأسرة جزء من المشكلة الاجتماعية وجزء من الحل، فإذا ما تعززت الروابط الأسرية ساهم ذلك في توازن العلاقات بين الآباء والأبناء وانعكس بشكل ايجابي عليهم، والعكس بالعكس. هذا دون أن ننسى الفقر وسوء السكن والعنف الأسري ضد الأطفال والهجرة غير النظامية نحو المدينة مع تأزم الأوضاع الاقتصادية.. كعوامل دافعة بالطفل نحو حياة الشارع.

رعاية الأطفال من منظور الخدمة الاجتماعية:

لقد اُعتبرت الخدمة الاجتماعية مدخلاً اجتماعياً لإدارة الرعاية وتقديم الخدمات الاجتماعية للمستفيدين، وقد باتت المهنة الأكثر فاعلية في تداخلها مع الحالات والوضعيات والممارسات غير السوية التي قد يتعرض إليها الأطفال أو كبار السن أو من هم في وضعية تستدعي تدخل المهني المتخصص. والأكثر من ذلك، أن الخدمة الاجتماعية باتت عاملاً خارجياً داعماً للأسر التي استعصى عليها القيام بالوظائف والأدوار الاجتماعية المنوطة بها، وذلك من خلال تقديم الرعاية الكاملة بكافة صورها.

إنه لمن الصعب، في حقل الخدمة الاجتماعية، فصل قضية الأطفال في وضعية صعبة والمشاكل التي يعانون منها مع الأسر التي ينتمون إليها أو قدموا منها، على اعتبار أن واقع الطفولة من واقع الأسرة. وبالتالي فإن جهود الخدمة الاجتماعية نحو هؤلاء الأطفال لا تقتصر على فهم طبيعة الطفل وخصائصه وتقديم الخدمات المناسبة له وتدعيم جوانب النقص لديه فقط، بل إن هذه الجهود تنصب كذلك نحو القيام بدراسة شاملة لبيئة الطفل وعلاقاته الاجتماعية قصد فهم الأسباب الحقيقية وراء افراز مثل هذه الحالات، والتي عليها يتم بناء تدخلات علاجية ووقائية فيما بعد.

إن هذه المقاربة الجديدة لعمل الخدمة الاجتماعية التي تضع الطفل والأسرة محل دراسة قصد التمكين والتأهيل والعلاج، ولا تفصل بينهما، هي التي ذهب إليها مارتن دايفز بقوله: "لابد أن يتم مجابهة قضايا الاساءة في ضوء التفسيرات المتكاملة حتى يمكننا أن نقدم الحلول الناجحة التي من شئنها أن تعمل على الحد أو حتى إنهاء ممارسة الاساءة للأطفال." وبالتالي تكون الطريقة الأنجح للتدخل في مثل هذه القضايا هي توسيع مجال الرؤيا لدى الفاعل الاجتماعي الممتهن للخدمة الاجتماعية لتشمل البيئة ومحيط الطفل وشبكة علاقاته الاجتماعية، مع الأسرة وجماعات الأقران.. لبناء صورة متكاملة عن حالة الطفل واعداد التدخلات المناسبة وفقاً لخلاصات تلك الرؤية الواسعة والشاملة.

 بقلم: نعمان حمداوي 

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم